للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره، وإن كان بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض.

قيل: هذا منشأ الوهم والإيهام في هذه المسألة، وهو الذي قام بقلوب ضعَفة المتفقِّهين، فالتزموا وألزموا من الشروط بما غيرُه أحبُّ إلى الله، وأرضى له منه، بإجماع الأمة بالضرورة المعلومة من الدين.

وجواب هذا الوهم أن الجاعل يبذل ماله في غرضه الذي يريده، إما محرَّمًا أو مكروهًا أو مباحًا أو مستحبًّا راجحًا (١)، لينال غرضه الذي بذل فيه ماله. وأما الواقف فإنما يبذل ماله فيما يقرِّبه إلى الله وثوابه، فهو لما علم أنه لم يبق له تمكُّنٌ من بذل ماله في أغراضه أحبَّ أن يبذله فيما يقرِّبه إلى الله وما هو أنفع له في الدار الآخرة. ولا يشك عاقل أن هذا غرض الواقفين، بل ولا يشك واقف أن هذا غرضه. والله سبحانه وتعالى ملَّكه المال لينتفع به في حياته، وأذِن له أن يحبسه لينتفع به بعد وفاته، فلم يملِّكه أن يفعل به بعد موته ما كان يفعل به في حياته، بل حجَر عليه فيه، وملَّكه ثُلُثَه يوصي به بما يجوز ويسوغ أن يوصي به، حتى إن حاف (٢) أو جار أو أثم في وصيته ساغ (٣) بل وجب على الموصَى والورثة ردُّ ذلك الجور والحيف (٤) والإثم، ورفَع سبحانه الإثم عمن يردُّ ذلك الحيف والإثم، [١٩٦/أ] من الورثة والأوصياء. فهو سبحانه لم يملِّكه أن يتصرَّف في ماله بتحبيس أصله (٥) إلا على وجهٍ


(١) في النسخ المطبوعة: «أو واجبًا».
(٢) ك: «إن أجنف». وفي ب: «إذا أجنف»، وفي المطبوع: «خاف»، تصحيف.
(٣) في النسخ المطبوعة: «جاز».
(٤) ك، ب: «الجنف».
(٥) في النسخ المطبوعة: «في تحبيس ماله بعده».