للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقول فقيه معيَّن يترك لقوله قولَ من سواه، بل يترك النصوصَ لقوله. فهذا شرطٌ من أبطَل الشروط، وقد صرَّح أصحابُ الشافعي وأحمد بأن الإمام إذا شرَط على القاضي أن لا يقضي إلا بمذهب معيَّن بطل الشرطُ، ولم يجُز له التزامه. وفي بطلان التولية قولان مبنيَّان على بطلان العقود بالشروط الفاسدة.

وطردُ هذا: أن المفتي متى شُرِط عليه أن لا يفتي إلا بمذهب معيَّن بطل الشرط. وطردُه أيضًا: أن الواقف متى شرَط على الفقيه أن لا ينظر ولا يشتغل إلا بمذهب معيَّن بحيث يهجُر له كتابَ الله وسنةَ رسوله، وفتاوى الصحابة ومذاهب العلماء= لم يصحَّ هذا الشرط قطعًا، ولا يجب التزامه، بل ولا يسوغ.

وعقدُ هذا الباب وضابطُه: أن المقصود إنما هو التعاون على البرِّ والتقوى، وأن يطاع الله ورسوله بحسب الإمكان، وأن يقدَّم من قدَّمه الله ورسولُه، ويؤخَّر من أخّره الله ورسوله، ويُعتبَر ما اعتبره الله ورسوله، ويُلغى ما ألغاه الله ورسوله. وشروط الواقفين لا تزيد على نذر الناذرين، فكما أنه لا يوفَى من النذور إلا بما كان طاعةً لله ورسوله، فلا يلتزم (١) من شروط الواقفين إلا ما كان طاعةً الله ورسوله.

فإن قيل: الواقف إنما نقل ماله لمن قام بهذه الصفة، فهو الذي رضي بنقل ماله إليه، ولم يرضَ بنقله إلى غيره، وإن كان أفضل منه. فالوقف يجري مجرى الجِعالة، فإذا بذل الجاعلُ ماله لمن يعمل عملًا لم يستحقَّه من عمل


(١) في النسخ المطبوعة: «يلزم».