للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصليب وقولهم إن المسيح ابن الله شرطٌ لاستحقاق الوقف، حتَّى إن من آمن بالله ورسوله واتبع دينَ الإسلام لم يحِلَّ له أن يتناول بعد ذلك من الوقف، فيكون حلُّ تناوله مشروطًا بتكذيب الله ورسوله، والكفر بدين الإسلام. ففرقٌ بين كون وصف الذمة مانعًا من صحة الوقف، وبين كونه مقتضيًا. فغلُظَ طبعُ هذا المفتي، وكثُفَ فهمُه، وغلُظَ حجابُه عن ذلك، ولم يميِّز.

ونظير هذا أن يقف على الأغنياء، فهذا يصح إذا كان الموقوف عليه غنيًّا أو ذا قرابة، فلا يكون الغنى مانعًا. ولا يصح أن يكون جهة الاستحقاق هو الغنى، فيستحق ما دام غنيًّا، فإذا افتقر واضطُرَّ إلى ما يقيم أوَدَه حرُم عليه تناولُ الوقف؛ فهذا لا يقوله إلا من حُرِم التوفيقَ، وصحِبه الخذلان. ولو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا من الأئمة يفعل ذلك لاشتدَّ إنكارُه وغضبُه عليه، ولَمَا أقرَّه البتة. وكذلك لو رأى رجلًا من أمته قد وقف على من يكون من الرجال عزَبًا غير متأهِّل، فإذا تأهَّلَ حرُم عليه تناولُ الوقف= لاشتدَّ غضبُه ونكيرُه عليه. بل دينُه يخالف هذا، فإنه كان إذا جاءه مالٌ أعطى العزبَ حظًّا، وأعطى الآهل حظَّين (١). وأخبر أن ثلاثةً حقٌّ على الله [١٩٥/ب] عونُهم، فذكَر منهم الناكحَ يريد العفافَ (٢)، وملتزم هذا الشرط حقٌّ عليه عدمُ إعانة الناكح.

ومن هذا: أن يشترط أنه لا يستحقُّ الوقفَ إلا مَن ترك الواجبَ عليه من طلب النصوص ومعرفتها، والتفقُّهِ في متونها، والتمسُّكِ بها، إلى الأخذ


(١) رواه أحمد (٢٣٩٨٦، ٢٤٠٠٤) وأبو داود (٢٩٥٣) من حديث عوف بن مالك. صححه ابن حبان (٤٨١٦) والحاكم (٢/ ١٤٠).
(٢) تقدَّم تخريجه.