للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكمهما واحد؛ فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة، فيفرِّق بين ما جمع الله بينه.

وتارةً تورد عليه المسألة مجملةً تحتها عدة أنواع، فيذهب وهمُه إلى واحد منها، أو يشِذّ عنه المسؤول (١) عنه منها، فيجيب بغير الصواب. وتارةً تورد عليه المسألة الباطلة في دين الله في قالبٍ مزخرَف ولفظٍ حسن، فيبادر إلى تسويغها، وهي من أبطل الباطل، وتارةً بالعكس؛ فلا إله إلا الله، كم هاهنا من مزلَّة أقدام، ومحلِّ أوهام!

وما دعا مُحِقٌّ إلى حقٍّ إلا أخرجه الشيطان على لسان أخيه ووليِّه من الإنس في [١٩٨/أ] قالبٍ تنفِر عنه خفافيشُ البصائر وضعفاءُ العقول وهم أكثر الناس. وما حذَّر أحد من باطلٍ إلا أخرجه الشيطان على لسان وليِّه من الإنس في قالبٍ مزيَّف مزخرَف يستخِفُّ به عقولَ ذلك الضرب من الناس، فيستجيبون له. وأكثر الناس نظرهم قاصر على الصور، لا يتجاوزها إلى الحقائق، فهم محبوسون في سجن الألفاظ، مقيَّدون بقيود العبارات، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: ١١٢ - ١١٣].

وأذكر لك من هذا مثالًا وقع في زماننا، وهو أن السلطان أمر أن يُلزَم أهلُ الذمة بتغيير عمائمهم، وأن تكون خلاف ألوان عمائم المسلمين،


(١) في النسخ المطبوعة: «ويذهل عن المسؤول».