للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقامت لذلك قيامتهم، وعظُم عليهم. وكان في ذلك من المصالح وإعزاز الإسلام وإذلال الكفرة ما قرَّت به عيون المسلمين. فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صوَّروا فُتيا يتوصَّلون بها إلى إزالة هذا الغِيَار (١)، وهي: ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمة أُلزموا بلباسٍ غير لباسهم المعتاد وزيٍّ غير زيِّهم المألوف، فحصل لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات وتجرَّأ عليهم بسببه السفهاء والذُّعَّار (٢)

وآذَوهم غاية الأذى، وطُمِع (٣) بذلك في إهانتهم، والتعدِّي عليهم. فهل يسوغ للإمام ردُّهم إلى زيِّهم الأول، وإعادتُهم إلى ما كانوا عليه، مع حصول التميُّز بعلامةٍ يُعرَفون بها؟ وهل ذلك (٤) مخالفة للشرع أم لا؟ فأجابهم مَن مُنِع التوفيقَ وصُدَّ عن الطريق بجواز ذلك، وأن للإمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه.

قال شيخنا: فجاءتني الفتوى، فقلت: لا تجوز إعادتهم، ويجب إبقاؤهم على الزيِّ الذي يتميزون به عن المسلمين. فذهبوا، ثم غيَّروا الفُتيا،


(١) الغِيار: علامة أهل الذمة.
(٢) كذا بالذال في ز، ب. قال الصفدي في «تصحيح التصحيف» (ص ٢٦٠): «تقول العامة للصوص: ذُعّار، بالذال معجمة، والصواب: دُعَّار بالدال المهملة ... ». وقد ورد «الزُّعَّار» بالزاي أيضًا في هذا السياق. نقل الطبري في تاريخه (٨/ ٤٩٦) قول بعضهم:

آلى الأميرُ وقولُه وفعالُه ... حقٌّ بجمع معاشر الزُّعَّار
يعني: أهل الشرّ والشغب. وانظر: «تكملة دوزي» (٥/ ٣٢٥). وفي المطبوع: «الرَّعاع»، وفي الطبعات السابقة: «الرعاة».
(٣) في النسخ المطبوعة: «فطمع».
(٤) في النسخ المطبوعة: «في ذلك».