للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أفتاه، وهو أحد المفتين الثلاثة الذين هم (١) في النار.

وإن علِم أنه قد أصاب، فلا يخلو إما أن تكون المسألة ظاهرةً لا يخفى وجهُ الصواب فيها بحيث لا يُظَنُّ بالمكذلك أنه قلَّده فيما لا يعلم، أو تكون خفيّةً. فإن كانت ظاهرةً فالأولى الكذلكة، لأنه إعانة على البر والتقوى، وشهادة للمفتي بالصواب، وبراءة من الكبر والحمية. وإن كانت خفيةً بحيث يُظَنُّ بالمكذلك أنه وافقه تقليدًا محضًا، فإن أمكنه إيضاح ما أشكله الأول أو زيادة بيان، أو ذكرُ قيدٍ، أو تنبيهٌ على أمرٍ أغفله= فالجواب المستقلّ أولى. وإن لم يمكنه ذلك فإن شاء كَذْلَكَ، وإن شاء أجاب استقلالًا.

فإن قيل: ما الذي يمنعه من الكذلكة إذا لم يعلم صوابه تقليدًا له، كما قلَّد المبتدئ مَن فوقه؟ فإذا أفتى الأول بالتقليد المحض فما الذي يمنع المكذلك من تقليده؟

قيل: الجواب من وجوه:

أحدها: أن الكلام في المفتي الأول أيضًا. فقد نصَّ الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة على أنه لا يحِلُّ للرجل أن يفتي بغير علم، وحكي في ذلك الإجماع. وقد تقدَّم ذكر ذلك مستوفًى.

الثاني: أن هذا الأول وإن جاز له التقليد للضرورة، فهذا المُكَذْلِك المتكلِّف لا ضرورة له إلى تقليده؛ بل هذا من بناء الضعيف على الضعيف. وذلك لا يسوغ، كما لا تسوغ الشهادة على الشهادة، وكما لا يجوز المسح


(١) كذا في النسخ الخطية، والصواب: «ثلثاهم» كما في النسخ المطبوعة. وانظر ما سبق في الفائدة الحادية عشرة.