للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول أبي عمرو بن الصلاح (١)، وأبي عبد الله بن حمدان (٢) من أصحابنا: «إذا كان المفتي إنما يفتي على مذهب [٢٠٨/أ] إمام معيَّن، فإذا رجع لكونه بان له قطعًا أنه خالف في فتواه نصَّ مذهب إمامه، فإنه يجب نقضُه، وإن كان ذلك في محل الاجتهاد؛ لأن نصَّ مذهب إمامه في حقِّه كنصِّ الشارع في حقِّ المفتي المجتهد المستقل»؛ فليس كما قالا. ولم ينصَّ على هذه المسألة أحد من الأئمة، ولا تقتضيها أصول الشريعة. ولو كان نصُّ إمامه بمنزلة نصِّ الشارع لَحرُم عليه وعلى غيره مخالفته، وفسَقَ بخلافه.

ولم يوجب أحد من الأئمة نقضَ حكم الحاكم ولا إبطالَ فتوى المفتي بكونه خلاف قول زيد أو عمرو، ولا يُعلَم أحدٌ سوَّغ النقضَ بذلك من الأئمة والمتقدمين من أتباعهم، وإنما قالوا: يُنقَض من حكم الحاكم ما خالف نصَّ كتاب أو سنة أو إجماع الأمة، ولم يقل أحد: يُنقَض من حكمه ما خالف قول فلان أو فلان. وينقض من فتوى المفتي ما ينقض من حكم الحاكم، فكيف يسوغ نقضُ أحكام الحكام وفتاوى أهل العلم بكونها خالفت قولَ واحدٍ من الأئمة، ولا سيَّما إذا وافقت نصًّا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فتاوى الصحابة؟ أيسوغ نقضُها لمخالفة قول فلان وحده، ولم يجعل الله ولا رسوله ولا أحد من الأئمة قولَ فقيه من الأمة بمنزلة نصِّ الله ورسوله بحيث يجب اتباعُه ويحرُم خلافه؟


(١) في «أدب المفتي والمستفتي» (ص ١٠٩ - ١١٠).
(٢) في «صفة الفتوى» (ص ٣١).