للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستفتي فيها، أو يرشده (١) إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصَّل به إلى مقصده. بل ينبغي له أن يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم. ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذِرًا فطِنًا، فقهُه (٢) في أحوال الناس وأمورهم يوازن فقهَه (٣) في الشرع؛ وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ.

وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم! فالغِرُّ ينظر إلى ظاهرها، ويقضي بجوازه. وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها. فالأول يروج عليه زغَلُ المسائل، كما يروج على الجاهل بالنقد زغلُ الدراهم. والثاني يُخرج زيفها، كما يُخرج الناقد زيف النقود.

وكم من باطل يُخرِجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حقٍّ! وكم من حقٍّ يُخرِجه بتهجينه وسوء [٢١٠/أ] تعبيره في صورة باطل! ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك؛ بل هذا أغلب أحوال الناس، ولكثرته وشهرته يستغني عن الأمثلة. بل من تأمل المقالات الباطلة والبدع كلَّها وجدها قد أخرجها أصحابها في قوالب مستحسنة، وكسَوها ألفاظًا يقبلها بها من لم يعرف حقيقتها، ولقد أحسن القائل (٤):


(١) في النسخ المطبوعة: «ويرشده».
(٢) ز: «فقيه»، تصحيف.
(٣) في المطبوع: «فقيهًا بأحوال الناس وأمورهم يؤازره فقهٌ»، وفي الطبعات السابقة: « ... فقهُه». والصواب ما أثبت من النسخ الخطية.
(٤) هو ابن الرومي. انظر: «ديوانه» (٣/ ١١٤٤). وهي ثلاثة أبيات ذكرت في «وفيات الأعيان» (١/ ٣٣) وغيره دون عزو.