للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقول هذا جنيُّ النحل تمدحه ... وإن تشأ قلتَ ذا قيءُ الزنابير (١)

مدحًا وذمًّا وما جاوزتَ وصفهما ... والحقُّ قد يعتريه سوءُ تعبير (٢)

ورأى بعض الملوك كأن أسنانه قد سقطت، فعبَّرها له معبِّرٌ بموت أهله وأقاربه؛ فأقصاه وطرَده. واستدعى آخر، فقال له: لا عليك، تكون أطولَ أهلِك عمرًا؛ فأعطاه وأكرمه وقرَّبه (٣). فاستوفى المعنى، وغيَّر له العبارة، وأخرج المعنى في قالب حسن.

والمقصود أنه لا يحِلُّ له أن يفتي بالحيل المحرَّمة، ولا يعين عليها، ولا يدل عليها؛ فيضادَّ الله في أمره. قال تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤]. وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل: ٥٠ - ٥١]. وقال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠]. وقال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: ٤٣]. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢].


(١) «جنيُّ النحل» كذا في النسخ الخطية، و «مفتاح دار السعادة» (١/ ٣٩٧)، و «الصواعق المرسلة» (٣/ ٩٤٤). وفي النسخ المطبوعة: «جناء النحل»، وهو خطأ. ولعل بعضهم قرأ «جَنَى النحل» فرأى الوزن مكسورًا، فغيَّره. والرواية: «مُجاج النحل».
(٢) هذا البيت ملفَّق من بيتين، فالشطر الأول عجزه:
سحرُ البيان يُرِي الظلماءَ كالنورِ
وهو آخر الأبيات الثلاثة. والشطر الثاني صدره في «الديوان» وهو أول الأبياتِ:
في زُخرف القول ترجيحٌ لقائله
(٣) انظر: «الإشارات» لغرس الدين ابن شاهين (ص ٨٧٣).