للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان (١) لكان قول فلان وفلان عِيارًا على السنن، ومزكِّيًا لها، وشرطًا في العمل بها؛ وهذا من أبطل الباطل. وقد أقام الله الحجة برسوله، دون آحاد الأمة. وقد أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ سنته، ودعا لمن بلَّغها (٢)؛ فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة، وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان.

قالوا: والنسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، بل ولا شطرها! فتقدير وقوع الخطأ في الذهاب إلى المنسوخ أقلُّ بكثير من وقوع الخطأ في تقليد من يصيب ويخطئ، ويجوز عليه التناقض والاختلاف، ويقول القولَ ويرجع عنه، ويُحكى عنه في المسألة الواحدة عدة أقوال. ووقوعُ الخطأ في فهم كلام المعصوم أقلُّ بكثير من وقوع الخطأ في فهم كلام الفقيه المعيَّن. فلا يُفرَض احتمالُ خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به إلا وأضعافُ أضعافِ أضعافِه حاصلٌ لمن أفتى بتقليد من لا يُعلَم خطؤه من صوابه.

والصواب في هذه المسألة: التفصيل؛ فإن كانت دلالة الحديث ظاهرةً بينةً لكلِّ من سمعه لا تحتمل غير المراد، فله أن يعمل به، ويفتي به، ولا يطلب له التزكية من قول فقيه أو إمام، بل الحجةُ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن


(١) ب: «وفلان».
(٢) رواه أحمد (٤١٥٧)، والترمذي (٢٦٥٧، ٢٦٥٨)، وابن ماجه (٢٣٢) من حديث ابن مسعود. صححه الترمذي، وابن حبان (٦٨٠)، وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ٣٨٦)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (٢١/ ٢٧٦)، وغيرهم.