للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نُكِحت، ولم تُستأذن= فكيف بالعدول عن ذلك كلِّه ومخالفته بمجرَّد مفهوم قوله: «الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليها»؟ كيف ومنطوقه صريح في أن هذا المفهوم الذي فهمه من قال: تُنكَح بغير اختيارها، غيرُ مراد؟ فإنه قال عقيبه: «والبكر تستأذن في نفسها».

بل هذا احتراز منه - صلى الله عليه وسلم - من حملِ كلامه على ذلك المفهوم، كما هو المعتاد في خطابه، كقوله: «لا يُقتَل مسلمٌ بكافر، ولا ذو عهد في عهده» (١)، فإنه لما نفى قتل المسلم بالكافر أوهمَ ذلك إهدارَ دم الكافر، وأنه لا حرمة له، فرفَع هذا الوهم بقوله: «ولا ذو عهد في عهده». ولما كان الاقتصار على قوله: «ولا ذو عهد» يوهم أنه لا يُقتَل إذا ثبت له العهدُ من حيث الجملة رفَع هذا الوهمَ بقوله: «في عهده»، وجعل ذلك قيدًا لعصمة العهد فيه.

وهذا كثير في كلامه - صلى الله عليه وسلم - لمن تأمَّله، كقوله: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلُّوا إليها» (٢). فإن نهيه عن الجلوس عليها لما كان ربما يوهم [٢٤٣/أ] التعظيم المحذور رفَعه بقوله: «ولا تصلُّوا إليها».

والمقصود: أن أمره باستئذان البكر، ونهيه عن نكاحها بدون إذنها، وتخييرها حيث لم تستأذن= لا معارض له، فيتعين القول به. وبالله التوفيق.

وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن صداق النساء، فقال: «هو ما اصطلح عليه أهلوهم». ذكره الدارقطني (٣).


(١) تقدم تخريجه والكلام عليه.
(٢) تقدَّم أيضًا.
(٣) برقم (٣٥٩٢) من حديث أبي سعيد. ورواه أيضًا البيهقي (٧/ ٢٣٩). وفيه أبو هارون العبدي، ضعيف جدًّا. والحديث ضعفه به البيهقي.