للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحكُم فيه (١) بين الخصوم. ومنه قولهم: أدلى فلان بحجته، وأدلى بنسبه. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: ١٨٨] أي تُضيفوا ذلك إلى الحكام، وتتوصَّلوا بحكمهم إلى أكلها.

فإن قيل: لو أريد هذا المعنى لقيل: "وتدلوا بالحكام إليها". وأمَّا الإدلاء بها إلى الحكَّام فهو التوصُّل بالبِرْطِيل (٢) بها إليهم، فتَرْشُوا الحاكَم [٤٩/ب] لتتوصَّلوا برشوته إلى الأكل بالباطل.

قيل: الآية تتناول النوعين، فكلٌّ منهما إدلاء إلى الحكام بسببها، فالنهي عنهما معًا.

وقوله: "فإنه لا ينفع تكلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذ له". ولاية الحق: نفوذه، فإذا لم ينفذ كان ذلك عزلًا له عن ولايته. فهو بمنزلة الوالي العَدْل الذي في توليته مصالحُ العباد في معاشهم ومعادهم، فإذا عُزِل عن ولايته لم ينفع. ومراد عمر بذلك التحريضُ على تنفيذ الحقِّ إذا فهمه الحاكم، ولا ينفع تكلُّمُه به إن لم يكن له قوة تنفِّذه (٣). فهو تحريضٌ منه على العلمِ (٤) بالحقِّ، والقوةِ على تنفيذه. وقد مدح الله سبحانه أولي القوةِ (٥) في أمره والبصائرِ في دينه، فقال: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: ٤٥]،


(١) في النسخ المطبوعة: "به".
(٢) البرطيل: الرشوة.
(٣) ع: "تنفيذه". وفي المطبوع: "على تنفيذه".
(٤) ف: "العمل"، وكذا كتب بعضهم في طرَّة ح مع علامة صح، وهو خطأ.
(٥) س، ت: "القوى"، وكذا حاول بعضهم أن يغيِّر ما في ح.