للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف الديون فإنه لم يأمر فيها باستشهاد آخرين من غيرنا، إذ كانت مداينة المسلمين تكون بينهم، وشهودُهم حاضرون. والوصية في السفر قد لا يشهدها إلا أهلُ الذمة، وكذلك الميِّت قد لا يشهده إلا النساء.

وأيضًا فإنما أمَر في الرجعة باستشهاد ذوي عدل، لأن المستشهِد هو المشهود عليه بالرجعة ــ وهو الزوج ــ لئلا يكتمها، فأمر بأن يشهد (١) أكمل النصاب. ولا يلزم إذا لم يشهد هذا الأكملُ أن لا يُقبلَ عليه شهادةُ النصاب الأنقص، فإنَّ طرقَ الحكم أعمُّ من طرق حفظ الحقوق. وقد أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الملتقِطَ أن يُشهِد عليه ذوي عدل، ولا يكتُمَ، ولا يُغَيِّبَ (٢). ولو شهد عليه باللقطة رجلٌ وامرأتان قُبِل بالاتفاق، بل يُحكَم عليه بمجرَّد وصفِ صاحبها لها.

وقال تعالى في شهادة المال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وقال في الوصية والرجعة: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، لأنَّ المستشهِد هناك صاحبُ الحقّ، فهو يأتي بمن يرضاه لحفظ حقِّه، فإن لم يكن عدلًا كان هو المضيِّع لحقِّه. وهنا (٣) المستشهِدُ يستشهد بحقٍّ ثابتٍ عنده، فلا يكفي رضاه به (٤)، بل لا بد أن يكون عدلًا في نفسه. وأيضًا [٥٣/أ] فإنَّ الله سبحانه قال هناك: {مِمَّنْ


(١) ضبط في س بضم الياء وكسر الهاء. وفي ع: "يستسشهد". وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١٨٣٤٣)، وأبو داود في "السنن" (١٧٠٩)، وابن ماجه في "السنن" (٢٥٠٥)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٥٧٧٦)، وصححه ابن حبان في "المسند الصحيح" (٩٢٧).
(٣) في النسخ المطبوعة: "وهذا".
(٤) "به" لم يرد في ح، ف.