للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} لأنّ صاحبَ الحقِّ هو الذي يحفظ حقَّه، فيحفظه بمن يرضاه.

وإذا قال من عليه الحقُّ: أنا أرضى (١) بشهادة هذا عليَّ، ففي قبوله نزاع. والآية تدل على أنه يُقبَل، بخلاف الرجعة والطلاق فإنَّ فيهما حقًّا لله. وكذلك الوصية، فيها حقٌّ لغائب.

ومما يوضِّح ذلك: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في المرأة: "أليست شهادتها بنصف شهادة الرجل؟ " (٢) فأطلَق، ولم يقيِّد. ويوضِّحه أيضًا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال للمدَّعي لما قال: هذا غصبني أرضي، فقال: "شاهداك أو يمينه" (٣). وقد عرَف أنه لو أتى برجل وامرأتين حَكَم له. فعُلِمَ أنَّ هذا يقوم مقام الشاهدين، وأن قوله: "شاهداك أو يمينه" إشارة إلى الحجَّة الشرعية التي شعارها الشاهدان. فإما أن يقال لفظ "شاهدان" معناه دليلان يشهدان، وإما أن يقال رجلان أو ما يقوم مقامهما والمرأتان دليل بمنزلة الشاهد.

يوضِّحه أيضًا أنه لو لم يأتِ المدعي بحجَّة حلَف المدَّعَى عليه، فيمينه كشاهد آخر؛ فصار معه دليلان يشهدان: أحدهما البراءة، والثاني اليمين. وإن نكل عن اليمين فمَن قضى عليه بالنُّكول قال: النكول إقرار أو بَذْل (٤).


(١) في النسخ المطبوعة: "راض".
(٢) أخرجه البخاري (٣٠٤) من حديث أبي سعيد، ومسلم (٧٩، ٨٠) عن ابن عمر وأبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري (٢٥١٥) ومسلم (١٣٨) من حديث الأشعث بن قيس.
(٤) في المطبوع: "بدل"، تصحيف.