للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا جيِّد إذا كان المدَّعَى عليه هو الذي يعرف الحقَّ دون المدَّعِي. قال عثمان لابن عمر: تحلِفُ أنك بعتَه وما به عيبٌ تعلمه؟ فلما لم يحلِفْ قضَى عليه (١). وأما الأكثرون فيقولون: إذا نكَلَ فَرُدَّ (٢) اليمينُ على المدّعي، فيكون نكولُ الناكل دليلًا، ويمينُ المدعي دليلًا ثانيًا؛ فصار [٥٣/ب] الحكم بدليلين: شاهد ويمين.

والشارعُ إنما جعل الحكمَ في الخصومة بشاهدين، لأنَّ المدعي لا يُحكَم له بمجرَّد قوله، والخصمُ منكِر، وقد يحلِف أيضًا. فكأنَّ أحدَ الشاهدين يقاوم الخصمَ المنكِر، فإنَّ إنكاره ويمينه كشاهد، ويبقى الشاهد الآخر خبرَ عدلٍ لا معارِضَ له؛ فهو حجة شرعية لا معارِضَ لها. وفي الرواية إنما يُقبَل خبرُ الواحد إذا لم يعارضه أقوى منه. فاطَّرد القياسُ والاعتبارُ في الحكم والرواية.

يوضِّحه أيضًا أن المقصود بالشهادة أن يُعلَم بها ثبوتُ المشهود به، وأنه حقٌّ وصدقٌ، فإنها خبر عنه. وهذا لا يختلف بكون المشهود به مالًا أو طلاقًا أو عتقًا أو وصيةً، بل من صدَقَ في هذا صدَقَ في هذا. وإذا كان الرجل مع المرأتين كالرجلين يصدُقان في الأموال، فكذلك صدقُهما في هذا.


(١) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢٢٧١)، وعبد الرزاق (١٤٧٢٢)، وابن أبي شيبة (٢١٢٠١، ٢١٥٠٤، ٢٢٢٢٦) من حديث يحيى بن سعيد (وهو الأنصاري)، عن سالم بن عبد الله بن عمر به. ورواه عبد الرزاق (١٤٧٢١) عن معمر، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، عن سالم به.
(٢) في ح غيَّره بعضهم إلى "تُرَدّ" كما في ف والنسخ المطبوعة.