للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر الله سبحانه حكمة تعدُّد الأنثيين (١) في الشهادة، وهي أن المرأة قد تنسى الشهادة، وتضِلُّ عنها، فتذكِّرها الأخرى. ومعلوم أنَّ تذكيرها لها بالرجعة والطلاق والوصية مثلُ تذكيرها لها بالدَّين، وأولى.

وهو سبحانه أمرَ بإشهاد امرأتين لتوكيد الحفظ، لأنّ عقلَ المرأتين وحفظَهما يقوم مقامَ عقلِ رجلٍ وحفظِه. ولهذا جُعِلت على النصف من الرجل في الميراث والدية والعقيقة والعتق. فعتقُ امرأتين يقوم مقامَ عتقِ رجل، كما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أعتَقَ امرأً مسلمًا أعتق الله بكلِّ [٥٤/أ] عضوٍ منه عضوًا منه من النار. ومن أعتق امرأتين مسلمتين أعتق الله بكلِّ عضوٍ منهما عضوًا منه من النار" (٢).

ولا ريب أن هذه الحكمة في التعدُد هي عند التحمُّل، فأما إذا عقلت المرأة وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها، فإنَّ المقصود حاصلٌ بخبرها، كما يحصل بأخبار الديانات. ولهذا تُقبل شهادتُها وحدها في مواضع، ويُحكَم بشهادة امرأتين ويمينِ الطالب في أصحِّ القولين. وهو قول مالك (٣)، وأحد الوجهين في مذهب أحمد (٤).


(١) في النسخ: "الاثنين".
(٢) رواه أبو داود (٣٩٦٧)، وابن ماجه (٢٥٢٢)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٤٨٦٣) من حديث كعب بن مرة، وفي سنده اختلافٌ كثيرٌ، وليُنظر: "السنن الكبرى" للنسائي (٤٨٥٩ - ٤٨٦٩)، و "العلل" للدارقطني (١٤/ ٣٣ - ٣٤).
(٣) انظر: "الكافي" لابن عبد البر (٢/ ٩٠٧).
(٤) انظر: "شرح الزركشي" (٧/ ٣١٣) و"الطرق الحكمية" (١/ ٤٢٦) و"مجموع الفتاوى" (٣١/ ٢٩٤).