للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخنا قدَّس الله روحه: ولو قيل: يُحكَم بشهادة امرأة ويمين الطالب لكان متوجِّهًا. قال: لأن المرأتين إنما أقيمتا (١) مقام الرجل في التحمُّل لئلا تنسى إحداهما، بخلاف الأداء فإنه ليس في الكتاب ولا في السنَّة أنه لا يُحكَم إلا بشهادة امرأتين. ولا يلزم من الأمر باستشهاد المرأتين وقتَ التحمُّل أن لا يُحكَم بأقلَّ منهما، فإنه سبحانه أمر باستشهاد رجلين في الديون، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان. ومع هذا فيُحكَم بشاهد واحد ويمين الطالب، ويُحكَم بالنُّكول والردِّ وغير ذلك.

فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله صاحبَ الحق إلى أن يحفظ حقَّه بها. وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأله عُقْبة بن الحارث فقال: إني تزوجتُ امرأةً، فجاءت أمةٌ سوداءُ، فقالت: إنها أرضعتنا. فأمرَه بفراق امرأته، فقال: إنها كاذبة، فقال: "دَعْها عنك" (٢).

ففي هذا قبولُ شهادة المرأة الواحدة، وإن كانت أمةً، وشهادتُها على فعل نفسها. وهو أصلٌ في شهادة القاسم والخارص والوزان والكيال على فعل نفسه.

فصل

وهذا أصل عظيم [٥٤/ب] يجب (٣) أن يُعرَف، غلِط فيه كثيرٌ من الناس؛ فإنَّ الله سبحانه أمرَ بما يحفظ به الحقُّ، فلا يحتاجَ معه إلى يمين صاحبه


(١) س، ح، ت: "أقيما"، وكذا في "اختيارات البعلي" (ص ٣٦٣) وقد ورد فيها أول كلام الشيخ.
(٢) أخرجه البخاري (٨٨، ٢٦٥٩).
(٣) في النسخ المطبوعة: "فيجب".