للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اتفق العلماء على أنَّ مواضع الحاجات يُقبَل فيها من الشهادات ما لا يقبل في غيرها من حيث الجملة، وإن تنازعوا في بعض التفاصيل. وقد أمر الله سبحانه بالعمل بشهادة شاهدين من غير المسلمين عند الحاجة في الوصية في السفر منبِّهًا بذلك على نظيره، وما هو أولى منه، كقبول شهادة النساء منفرداتٍ في الأعراس والحمامات والمواضع التي تنفرد النساء بالحضور فيها. ولا ريب أنَّ قبول شهادتهن هنا أولى من قبول شهادة الكفار على الوصية في السفر.

ولذلك (١) عمِلَ الصحابةُ وفقهاءُ المدينة بشهادة الصبيان على تجارُحِ بعضِهم بعضًا (٢)، فإنَّ الرجال لا يحضرون معهم في لعبهم، ولو لم تُقبَل شهادتهم وشهادة النساء منفرداتٍ لضاعت الحقوق وتعطَّلت وأُهملت، مع غلبةِ الظن أو القطعِ بصدقهم، ولا سيما إذا جاؤوا مجتمعين قبل تفرُّقهم ورجوعهم إلى بيوتهم، وتواطؤوا على خبر واحد، وفُرِّقوا وقتَ الأداء واتفقت كلمتُهم؛ فإنّ الظن الحاصل حينئذ من شهادتهم أقوى بكثير من الظن الحاصل من شهادة رجلين، وهذا مما لا يمكن دفعه وجحده. فلا يُظَنُّ بالشريعة الكاملة الفاضلة المنتظمة لمصالح العباد في المعاش والمعاد أنها


(١) ما عدا ح، س: "وكذلك".
(٢) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢٦٨٩) عن هشام بن عروة، عن عبد الله بن الزبير، ويتقوى بما رواه عبد الرزاق في "المصنف" (١٥٤٩٤، ١٥٤٩٥)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢١٤٣٣) من طريقين عن ابن أبي مليكة، عن ابن الزبير، وصحّحه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٢٨٦). على شرط الشيخين. قلت: نعم، الأثر صحيح بلا ريب، لكنه ليس على شرطهما. ويُنظر: "المصنف" لعبد الرزاق (١٥٤٩٦ - ١٥٥٠٧)، و "المصنف" لابن أبي شيبة (٢١٤٣٠ - ٢١٤٤٧).