للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحدِّ، وهو العذاب المذكور في قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢]. فإنَّ المدَّعي لما ترجَّح جانبُه (١) بالشاهد الواحد شُرِعت اليمين من جهته. وكذلك أولياءُ الدم ترجَّح جانبهم باللَّوْث، فشُرعت اليمينُ من جهتهم، وأُكِّدت بالعدد تعظيمًا لخطر النفس. وكذلك الزوج في اللِّعان جانبُه أرجَحُ من جانب المرأة قطعًا، فإنَّ إقدامَه على إتلاف فراشه، ورميَها بالفاحشة على رؤوس الأشهاد= وتعريضَ نفسه لعقوبة الدنيا (٢) والآخرة، وفضيحةَ أهله ونفسه على رؤوس الأشهاد= ممّا تأباه طباع العقلاء، وتنفِر منه نفوسهم، لولا أنَّ الزوجة اضطرَّته بما رآه وتيقَّنه منها إلى ذلك. فجانبُه أقوى وأرجح (٣) من جانب المرأة قطعًا، فشُرعت اليمين من جانبه.

ولهذا كان الصواب القتل في القَسامة واللِّعان، وهو قول أهل المدينة. وأمَّا (٤) فقهاء العراق فلا يقتلون لا بهذا ولا بهذا. وأحمد يقتل بالقَسامة دون اللِّعان. والشافعي يقتل باللِّعان دون القَسامة (٥). وليس في شيء من هذا ما يعارض الحديث الصحيح، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعطَى الناسُ بدعواهم لَادَّعى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالهم، ولكن اليمين على [٥٨/أ] المدَّعَى عليه" (٦)، فإنَّ هذا إذا لم يكن مع المدّعي إلا مجرّد الدعوى، فإنه لا يُقضَى له بمجرّد


(١) "جانبه" ساقط من ع، وكذا كلمة "نفسه" الآتية.
(٢) "الدنيا" ساقط من ع.
(٣) "وأرجح" ساقط من ع، وكذا من النسخ المطبوعة.
(٤) في النسخ المطبوعة: "فأما".
(٥) وانظر: "زاد المعاد" (٥/ ١١).
(٦) أخرجه البخاري (٤٥٥٢) ومسلم (١٧١١) من حديث ابن عباس.