للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعوى. فأما إذا ترجَّح جانبه بشاهد أو لَوث أو غيره لم يُقضَ له بمجرَّد دعواه، بل بالشاهد المجتمع من ترجُّح جانبه ومن اليمين.

وقد حكم سليمان بن داود عليه السلام لإحدى المرأتين بالولد، لترجُّح جانبها بالشفقة على الولد وإيثارها لحياته، ورضى الأخرى بقتله. ولم يلتفت إلى إقرارها للأخرى به، وقولها: " هو ابنها " (١). ولهذا كان من تراجم الأئمة على هذا الحديث (٢) " التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله: أفعَلُ ليستبين به الحق". ثم ترجَم عليه ترجمةً أخرى أحسنَ من هذه وأفقهَ، فقال (٣): " الحكمُ بخلاف ما يعترف به المحكوم له (٤)، إذا تبيَّن للحاكم أنَّ الحقَّ غيرُ ما اعترف به ". فهكذا يكون فهمُ الأئمة من النصوص، واستنباطُ الأحكام التي تشهد العقول والفطر بها منها. ولَعَمْرُ الله، إنَّ هذا هو العلم النافع، لا خَرْصُ الآراء وتخمينُ الظنون.

فإن قيل: ففي القَسامة يُقبَل مجرَّدُ أيمان المدَّعين، ولا تُجعل أيمانُ المدَّعَى عليهم بعد أيمانهم دافعةً للقتل. وفي اللِّعان ليس كذلك، بل إذا حلف الزوجُ مُكِّنت المرأةُ أن تدفع عن نفسها بأيمانها، ولم تُقتل (٥) بمجرَّد


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) وهي ترجمة النسائي في "السنن الكبرى" (٥/ ٤٠٩) ونحوه في "المجتبى" (٨/ ٢٣٦) وقد صرَّح بذلك المؤلف في آخر الكتاب، و"الطرق الحكمية" (١/ ٩) و"بدائع الفوائد" (٤/ ١٤٨٥) و"عدة الصابرين" (ص ٥٢١).
(٣) في "السنن الكبرى" (٥/ ٤١٠).
(٤) أثبت في المطبوع: "المحكوم عليه"، وكذا في مطبوع "الطرق الحكمية" و"عدَّة الصابرين". وهو خطأ وخلاف المقصود.
(٥) في النسخ المطبوعة: "ولا تقتل".