للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أخبر أنَّ هذا الجاحد لو ذكر خلقه لما ضرب المثل، بل لمَّا نسي خلقَه ضرَبَ المثل. فتحت قوله: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} ألطف جواب وأبين دليل. وهذا كما تقول لمن جحدك أن تكون قد أعطيته شيئًا: فلان جحدني الإحسان إليه، ونسي الثيابَ التي عليه، والمالَ الذي معه، والدارَ التي هو فيها؛ حيث لا يمكنه جحدُ أن يكون ذلك منك.

ثم أجيب عن سؤاله بما يتضمَّن أبلغَ الدليل على ثبوت ما جحده، فقال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}. فهذا جواب واستدلال قاطع.

ثم أكَّد هذا المعنى بالإخبار (١) بعموم علمه لجميع الخلق (٢)، فإنَّ تعذُّرَ الإعادة عليه إنما يكون لقصور في علمه (٣) أو قصورٍ في قدرته. ولا قصورَ في علمِ مَن هو بكلِّ خلقٍ عليم، ولا قدرةِ (٤) مَن خلَق السماوات والأرض، وإذا أراد شيئًا [٨٢/أ] قال له: كن، فيكون. وبيده ملكوتُ كلِّ شيء، فكيف تعجز قدرته وعلمه عن إحيائكم بعد مماتكم ولم تعجز عن النشأة الأولى ولا عن خلق السموات والأرض؟

ثم أرشد عباده إلى دليل واضح جليٍّ متضمِّن للجواب عن شبه المنكرين بألطف الوجوه وأبينها وأقربها إلى العقل، فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}، فإن (٥) هذا دليل على تمام


(١) "بالإخبار" ساقط من ع.
(٢) في النسخ المطبوعة: "بجميع خلقه".
(٣) ما عدا س، ت: "لقصور علمه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٤) في النسخ المطبوعة: "ولا قدرة فوق قدرة" بزيادة "قدرة فوق".
(٥) في النسخ المطبوعة: "فإذن"، وهو خطأ.