للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدرته وإخراج الأموات من قبورهم، كما أخرج النار من الشجرة الخضراء. وفي ذلك جواب عن شبهة من قال من منكري المعاد: الموت بارد يابس، والحياة طبعها الرطوبة والحرارة، فإذا حلَّ الموتُ بالجسم لم يمكن أن تحُلَّ به (١) الحياة بعد ذلك لتضادِّ ما بينهما. وهذه شبهة تليق بعقل (٢) المكذِّبين الذين لا سمع لهم ولا عقل، فإن الحياة لا تجامع الموت في المحلِّ الواحد ليلزم ما قالوا، بل إذا أوجد الله فيه الحياةَ وطبعَها ارتفع الموتُ وطبعُه. وهذا الشجر الأخضر طبعُه البرودة والرطوبة (٣) تخرج منه النار الحارَّة اليابسة.

ثم ذكر ما هو أوضح للعقول من كلِّ دليل، وهو خلقُ السموات والأرض مع عظمهما وسعتهما وأنه لا نسبة للخلق الضعيف إليهما. ومن لم تعجز قدرته وعلمه عن هذا الخلق العظيم الذي هو أكبر من خلق الناس، كيف تعجز عن إحيائهم بعد موتهم؟

ثم قرَّر هذا المعنى بذكر وصفين من أوصافه مستلزِمين لما أخبر به، فقال: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}. فكونُه خلاقًا عليمًا يقتضي أنه يخلق ما يشاء، ولا يُعجِزه ما أراده من الخلق.

ثم قرَّر هذا المعنى بأن عموم إرادته وكمالها لا يَقصُر عنه ولا عن شيء أبدًا، [٨٢/ب] فقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. فلا


(١) س، ت، ع: "فيه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) في النسخ المطبوعة: "بعقول".
(٣) في النسخ المطبوعة: "الرطوبة والبرودة".