للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمكنه الاستعصاء عليه، ولا يتعذَّر عليه، بل يأتي طائعًا منقادًا لمشيئته وإرادته.

ثم زاده تأكيدًا وإيضاحًا بقوله: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}، فنزَّه نفسه عما يظنّ به أعداؤه المنكرون للمعاد معظِّمًا لها بأنَّ ملك كلِّ شيء بيده، يتصرَّف فيه تصرُّفَ المالك الحقِّ في مملوكه الذي لا يمكنه الامتناع عن أيِّ تصرُّفٍ شاءه فيه.

ثم ختم السورة بقوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. كما أنهم ابتدؤوا منه هو، فكذلك مرجعهم إليه. فمنه المبدأ، وإليه المعاد، وهو الأول والآخر. {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: ٤٢].

ومنه: قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: ٦٦ - ٦٧]، فتأمل تضمُّنَ (١) هذه الكلمات ــ على اختصارها وإيجازها وبلاغتها ــ للأصل والفرع والعلَّة والحكم.

ومنه: قوله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: ٤٩] (٢). فردَّ عليهم سبحانه ردًّا يتضمَّن الدليل القاطع على قدرته على إعادتهم خلقًا جديدًا، فقال: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا


(١) بعض قرَّاء ت ضرب على "تضمن" هنا، ووضع علامة بعد "بلاغتها"، وكتب في الطرة: "وتضمُّنها". أراد إصلاح المتن بزعمه.
(٢) قارن بكلام المؤلف على هذه الآية وما بعدها في "الصواعق" (٢/ ٤٧٨ - ٤٨٠).