للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: ٥٠ - ٥١]. فلما استبعدوا أن يعيدهم الله خلقًا جديدًا بعد أن صاروا عظامًا ورفاتًا قيل لهم: كونوا حجارةً أو حديدًا أو خلقًا مما يكبُر في صدوركم، سواء كان الموت أو السماء والأرض (١)، أو أيَّ خلقٍ استعظموه وكبُر في صدورهم (٢).

ومضمون الدليل أنكم مربوبون مخلوقون، مقهورون على ما شاء (٣) خالقكم، وأنتم لا تقدِرون [٨٣/أ] على تغيير أحوالكم من خلقة إلى خلقة لا تقبل الاضمحلال كالحجارة والحديد. ومع ذلك فلو كنتم على هذه الخِلقة من القوة والشدة لنفذت أحكامي فيكم وقدرتي ومشيئتي، ولم تسبقوني ولم تفوتوني؛ كما يقول القائل لمن هو في قبضته: اصعد إلى السماء فإني لاحقك، أي لو صعدتَ إلى السماء لحقتُك. وعلى هذا، فمعنى الآية: لو كنتم حجارةً أو حديدًا أو أعظمَ خلقًا من ذلك لما أعجزتموني ولما فُتُّموني.

وقيل: المعنى كونوا حجارةً أو حديدًا عند أنفسكم، أي صوِّروا أنفسكم وقدِّروها كذلك خلقًا لا يضمحِلُّ ولا ينحَلُّ، فإنا سنميتكم، ثم نحييكم ونعيدكم خلقًا جديدًا. وبين المعنيين فرق لطيف، فإن المعنى الأول يقتضي أنكم لو قدرتم على نقل خلقتكم من حالة إلى حالة هي أشدُّ منها وأقوى لنفذت مشيئتنا وقدرتنا فيكم ولم تُعجزونا، فكيف وأنتم عاجزون عن ذلك؟ والمعنى الثاني يقتضي أنكم صوِّروا أنفسكم وأنزلوها هذه المنزلة، ثم انظروا


(١) في النسخ المطبوعة: "أو الأرض".
(٢) في النسخ المطبوعة: "استعظمتموه وكبر في صدوركم".
(٣) في النسخ المطبوعة: "يشاء".