للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أتفوتونا وتُعجزونا (١)، أم قدرتنا ومشيئتنا محيطة بكم، ولو كنتم كذلك؟

وهذا من أبلغ البراهين القاطعة التي لا تعرض فيها شبهة البتّة، بل لا تجد العقول السليمة غيرَ الإذعان (٢) والانقياد لها. فلما علم القوم صحة هذا البرهان وأنه ضروري انتقلوا إلى المطالبة بمن يعيدهم، فقالوا: من يعيدنا؟ وهذا سواء كان سؤالًا منهم عن تعيين المعيد أو إنكارًا منهم له، فهو من أقبح التعنُّت وأبينه (٣). ولهذا كان جوابه: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.

ولما علم القوم أن هذا جواب قاطع انتقلوا [٨٣/ب] إلى باب آخر من التعنُّت، وهو السؤال عن وقت هذه الإعادة، فأنغضوا إليه رؤوسهم وقالوا: متى هو؟ فقال تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} (٤). فليتأمَّل اللبيب (٥) لطفَ موقع (٦) هذا الدليل، واستلزامه لمدلوله استلزامًا لا محيد عنه، وما تضمَّنه من السؤالات والجواب عنها أبلغَ جواب وأصحَّه وأوضحَه. فللّه ما يفوت المُعْرِضين عن تدبُّر القرآن، المتعوِّضين عنه بزُبالة الأذهان ونُحاتة (٧) الأفكار!


(١) كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة إلا (ت) التي فيها: "أتفوتوننا"، والفعل الثاني فيها أيضًا كما في غيرها.
(٢) ع: "بدًّا عن الإذعان". وفي النسخ المطبوعة: "عن الإذعان ... لها بدًّا".
(٣) من ع، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي ح، ف: "وأنتنه". ولم تعجم الحروف في س، ت.
(٤) لم يرد "قل" في ت، ح، إلا أن بعض القراء استدركه في طرة ح.
(٥) بعده في ح: "هذه"، وهي مقحمة هنا.
(٦) ع: "موضع"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٧) في النسخ المطبوعة: "نخالة"، وأراه تصحيفًا. انظر ما علقت من قبل.