للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كرَّر سبحانه ذكر هذا الدليل في كتابه مرارًا، لصحة مقدّماته، ووضوح دلالته، وقُرب تناوله، وبُعده من كلِّ معارضة وشبهة؛ وجَعَله تبصرةً وذكرى، كما قال تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: ٧ - ٨]. فالمنيب إلى ربه يتذكَّر بذلك، فإذا تذكَّر تبصَّر به. فالتذكُّر قبل التبصُّر، وإن قُدِّم عليه في اللفظ (١) كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (٢) [الأعراف: ٢٠١]. والتذكُّر: تفعُّل من الذكر، وهو حضور صورة المذكور (٣) في القلب. فإذا استحضَره القلب وشاهَدَه على وجهه أوجَبَ له البصيرة، فأبصر (٤) ما جُعِل دليلًا عليه، فكان في حقِّه تبصرة وذكرى. والهدى مداره على هذين الأصلين: التذكُّر، والتبصُّر (٥).

وقد دعا سبحانه الإنسان إلى أن ينظر في مبدأ خلقه ورزقه (٦)، ويستدلَّ بذلك على معاده وصدقِ ما أخبرت به الرسل. فقال في الأول: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ


(١) كذا قال هنا. وفي "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٦٠٦) فسَّر الآية على نحو آخر.
(٢) ما عدا نسخة (ف) المتأخرة: "طَيْفٌ من الشيطان"، وهي قراءة أبي عمرو، وبها قرأ ابن كثير والكسائي أيضًا. انظر: "الإقناع" لابن الباذش (٢/ ٦٥٢).
(٣) انظر: "مدارج السالكين" (١/ ٤٤٠). وفي ع: "من المذكور"، زاد "من"، وكذا في المطبوع.
(٤) ع: "له الصبر فالصبر"، تصحيف.
(٥) وانظر: "المدارج" (٣/ ٨٨) و"شفاء العليل" (ص ١٩٤).
(٦) "ورزقه" ساقط من ع.