للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه: قوله تعالى إخبارًا عن الكفار أنهم قالوا: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} [هود: ٢٧] فاعتبروا مجرَّد صورة الآدمية وشبه المجانسة فيها، واستدلوا بذلك على أن حكم أحد الشَّبَهين حكم الآخر؛ فكما لا نكون نحن رسلًا فكذلك أنتم. فإذا تساوينا في هذا الشبه، فأنتم مثلُنا، لا مزية لكم علينا. وهذا [٨٦/ب] من أبطل القياس؛ فإنَّ الواقع من التخصيص والتفضيل وجعلِ (١) بعض هذا النوع شريفًا وبعضِه دنيًّا، وبعضِه مرءوسًا وبعضِه رئيسًا، وبعضِه مَلِكًا وبعضِه سُوقةً= يُبطِل هذا القياس، كما أشار سبحانه إلى ذلك في قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٣٢]. وأجابت الرسل عن هذا السؤال بقولهم: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: ١١]، وأجاب الله سبحانه عنه بقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤].

وكذلك قوله سبحانه: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: ٣٣ - ٣٤]. فاعتبروا المساواة في البشرية وما هو من خصائصها من الأكل والشرب، وهذا مجرَّدُ قياسِ شَبَهٍ وجمعٍ صُوري.


(١) في المطبوع حذف الواو قبل "جعل"، ليكون خبر إنَّ؛ فاختلّ السياق، فإن الخبر "يبطل" الآتي.