للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظير هذا قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: ٦]. ومن هذا: قياس المشركين الربا على البيع بمجرَّد الشبه الصوري. ومنه: قياسهم الميتة على الذكيِّ (١) في إباحة الأكل بمجرد الشبه. وبالجملة، فلم يجئ هذا القياس في القرآن إلا مردودًا مذمومًا.

ومن ذلك (٢): قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ [٨٧/أ] بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: ١٩٤ - ١٩٥]. فبيَّن سبحانه أن هذه الأصنام أشباح وصور خالية عن صفات الإلهية، وأن المعنى المعتبر معدوم فيها، وأنها لو دُعيت لم تُجِب؛ فهي صور خالية عن أوصاف ومعان تقتضي عبادتها. وزاد هذا تقريرًا بقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}. أي (٣) جميع ما لهذه الأصنام من الأعضاء التي نحتتها أيديكم، إنما هي صور عاطلة عن حقائقها وصفاتها؛ لأن المعنى المراد المختصَّ بالرِّجل هو مشيُها، وهو معدوم في هذه الرِّجل. والمعنى المختص باليد هو بطشها، وهو معدوم في هذه اليد. والمراد بالعين إبصارُها، وهو معدوم في هذه العين؛ ومن الأذن سمعُها وهو معدوم فيها. والصور في ذلك كلِّه ثابتة موجودة، وكلُّها فارغة


(١) ت: "المذكَّى"، وكذا في النسخ المطبوعة. وهما بمعنًى، وقد ورد لفظ "الذكي" من قبل.
(٢) ت: "ومنه".
(٣) ع: "أي أن"، وكذا في النسخ المطبوعة.