للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبر عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظِّهم من الوحي، وأنهم بمنزلة من استوقد نارًا لتضيء له وينتفع بها. وهذا لأنهم دخلوا في الإسلام فاستضاؤوا به، وانتفعوا به، وآمنوا به، وخالطوا (١) المسلمين؛ ولكن لما لم تكن تصحبهم (٢) مادةٌ من قلوبهم من نور الإسلام طفئ عنهم، وذهب الله بنورهم. ولم يقل: "بنارهم"، فإن النار فيها الإضاءة والإحراق، فذهب الله بما فيها من الإضاءة، وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق، وتركهم في ظلمات لا يبصرون. فهذا حال من أبصر ثم عمي، وعرف ثم أنكر، ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه؛ فهو لا يرجع إليه. ولهذا قال: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}.

ثم ذكر حالهم بالنسبة إلى المثل المائي، فشبَّههم بأصحاب صيِّبٍ ــ وهو المطر الذي يَصُوب، أي ينزل من السماء ــ فيه ظلمات ورعد وبرق، فلضعف بصائرهم وعقولهم اشتدَّت عليهم زواجرُ القرآن ووعيده وتهديده، وأوامره ونواهيه [٨٨/أ] وخطابه الذي يشبه الصواعق. فحالُهم كحال من أصابه مطرٌ فيه ظلمة ورعد وبرق، فلِضعفِه وخوَرِه جعل إصبعيه في أذنيه، وغمَّض عينيه خشيةً من صاعقةٍ تصيبه.

وقد شاهدنا نحن وغيرنا كثيرًا من مخانيث تلاميذ الجهمية والمبتدعة، إذا سمعوا شيئًا من آياتِ الصفات وأحاديثِ الصفات المنافيةِ لبدعتهم رأيتَهم عنها معرضين، {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: ٥٠ - ٥١]. ويقول مخنثهم: سُدُّوا عنَّا هذا الباب، واقرؤوا شيئًا غير هذا. وترى


(١) ع: "خالفوا"، تصحيف. وقد سقط منها: "وآمنوا به".
(٢) ع: "لصحتهم"، تصحيف. وفي النسخ المطبوعة: "لصحبتهم".