للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليها سُلِبَها بغتةً أحوجَ ما كان إليها، وحيل بينه وبينها. فشبَّهها بالأرض التي ينزل الغيثُ عليها فتُعْشِب، ويحسُن نباتها، ويروق منظرها للناظر، فيغترُّ به، ويظنُّ أنه قادر عليها، مالك لها. فيأتيها أمرُ الله، فتدرك نباتَها الآفةُ بغتةً، فتصبح كأن لم تكن قبل، فيخيب ظنُّه، وتصبح يداه صفرًا منها. فهكذا حال الدنيا والواثقِ بها سواء. وهذا من أبلغ التشبيه والقياس. ولما كانت الدنيا عرضةً لهذه الآفات، والجنةُ سليمةً منها، قال: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: ٢٥] (١). فسمَّاها هنا "دار السلام" لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا، فعمَّ بالدعوة إليها، وخصَّ بالهداية من يشاء. فذاك عدلُه، وهذا فضلُه (٢).

فصل

[٨٩/ب] ومنها: قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [هود: ٢٤]. فإنه سبحانه ذكر الكفار، ووصفهم بأنهم ما كانوا يستطيعون السمعَ وما كانوا يبصرون. ثم ذكر المؤمنين، ووصفهم بالإيمان والعمل الصالح والإخبات إلى ربِّهم، فوصفهم بعبودية الظاهر والباطن. جعل (٣) أحد الفريقين كالأعمى والأصمِّ من حيث كان قلبه أعمى عن رؤية الحق، أصمَّ عن سماعه؛ فشبَّهه بمن بصرُه أعمى عن رؤية الأشياء، وسمعُه أصمُّ عن سماع الأصوات. والفريق الآخر


(١) "ويهدي ... " إلخ من ت وحدها. وستأتي الإشارة إليه في كلام المصنف.
(٢) وانظر: "عدة الصابرين" (ص ٣٣٤ - ٣٣٥).
(٣) في النسخ المطبوعة: "وجعل". ولم ترد الواو في شيء من النسخ المعتمدة.