للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُساكنها (١). وهكذا يضرب الله الحقَّ والباطل.

ثم ذكر المثل الناري فقال: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ (٢) عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} وهو الخَبَث الذي يخرج عند سَبْك الذهب والفضة والنحاس والحديد، فتُخرجه النار، وتميِّزه، وتفصله عن الجوهر الذي يُنتفَع به، فيُرمى ويُطرَح ويذهب جُفاءً. فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلبُ المؤمن ويطرحها ويجفوها، كما يطرح السيلُ والنارُ ذلك الزَّبد والغثاء والخبث، ويستقرُّ في قرار الوادي الماءُ الصافي الذي يستقي منه الناس، ويزرعون، ويسقون أنعامهم. [٨٩/أ] كذلك يستقِرُّ في قرار القلب وجِذْره الإيمانُ الخالص الصافي الذي ينفع صاحبَه وينتفع به غيرُه. ومن لم يفقه هذين المثلين، ولم يتدبَّرهما ويعرِفْ ما يراد منهما، فليس من أهلهما. والله الموفق.

فصل

ومنها: قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: ٢٤].

شبَّه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزيَّن في عين الناظر، فتروقه بزينتها وتُعجِبه، فيميل إليها ويهواها اغترارًا منه بها، حتّى إذا ظنَّ أنه مالكٌ لها قادرٌ


(١) ت: "يشاركها"، وكذا في الطبعات القديمة.
(٢) وهنا أيضًا في س، ح: "توقدون" على قراءة أبي عمرو، كما سبق.