للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: ١٧].

شبَّه (١) الوحيَ الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبَّه القلوب (٢) بالأودية. فقلبٌ كبيرٌ يسع علمًا عظيمًا كواد كبير يسع ماءً كثيرًا، وقلبٌ صغيرٌ إنما يسع بحسَبه كالوادي الصغير، فسالت أوديةٌ بقدرها، واحتملت قلوبٌ من الهدى والعلم بقدرها.

وكما أنّ السَّيل إذا خالط الأرضَ ومرَّ عليها احتمل غثاءً وزَبَدًا، فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوبَ أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويُذهبها، كما يثير الدواءُ وقتَ شُربه من البدن أخلاطه (٣)، فيتكرَّب (٤) بها شاربُه. وهي من تمام نفع الدواء، فإنه أثارها ليذهب بها، فإنه لا يجامعها ولا


(١) في المطبوع: "فشبَّه".
(٢) "والأسماع ... القلوب" ساقط من ت. وكذا كان ساقطًا من ح ولكن استدرك عند المقابلة.
(٣) وهي أخلاط أربعة في النظام الطبي القديم: الدم والبلغم والصفراء والسوداء.
(٤) كذا في جميع النسخ. وفي النسخ المطبوعة: "فيتكدَّر"، والظاهر أنه من إصلاح بعض الناشرين. والكرب والإكراب والتكرب من الألفاظ الكثيرة الدوران في كتب الطب في هذا السياق. ومنه قول ابن النفيس في كتابه "الشامل في الصناعة الطبية" (٢/ ٢٩٩) في وصف الأسطوخوذُس: "يُكثِر تكرُّبَ المحرورين والصفراويين وذلك لأجل زيادته في سوء مزاجهم". ويقول ابن البيطار في "الجامع" (١/ ٢٥) عن الدواء نفسه: "يُكْرِبُ أصحابَ المرّة الصفراء ويقيِّئهم ويعطِّشهم". وفي "الحاوي في الطب" (٢/ ٣٠٧): "فإن الدواء إذا لقي طبيعةً يابسةً قويةً أكرَبَ، وأمغَصَ، وقلَّ فعلُه ... ".