للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يظنه. وهذه حال أهل الجهل وأهل البدع والأهواء الذين يظنون أنهم على هدًى وعلم، فإذا انكشفت الحقائق تبيَّن لهم أنهم لم يكونوا على شيء، وأن عقائدهم وأعمالهم التي ترتَّبت عليها كانت كسرابٍ (١) يُرَى في عين الناظر ماءً، ولا حقيقة له. وهكذا الأعمال التي لغير الله وعلى غير أمره، يحسبها العامل نافعةً له، وليست كذلك. وهذه هي الأعمال التي قال الله عز وجل فيها: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣].

وتأمَّلْ جَعْلَه (٢) سبحانه السَّرابَ بالقيعة، وهي الأرض القفر الخالية من البناء والشجر والنبات والعالم. فمحلُّ السراب أرض قفر لا شيء بها، والسراب لا حقيقة له. وذلك مطابق لأعمالهم وقلوبهم التي أقفرت من الإيمان والهدى.

وتأمَّل ما تحت قوله: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}. والظمآن: الذي قد اشتدَّ عطشُه، فرأى السرابَ، فظنَّه ماءً، فتبِعه، فلم يجده شيئًا، بل خانه أحوجَ ما كان إليه. فكذلك هؤلاء، لما كانت أعمالهم على غير طاعة الرسل (٣) ولغير الله جُعِلَتْ كالسراب، فرُفِعَتْ لهم أظمأَ ما كانوا، وأحوجَ ما كانوا إليها، فلم يجدوا شيئًا؛ ووجدوا الله سبحانه ثَمَّ، فجازاهم بأعمالهم، ووفَّاهم حسابهم.

وفي "الصحيح" (٤) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في


(١) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: "بقيعة".
(٢) ع: "جعله الله" ولعل الناسخ ظنَّه فعلًا ماضيًا. وفي طرّتها: "ظ تشبيه" يعني أن "جعله" محرَّف عن "تشبيه". وكذا أثبت في المطبوع: "تشبيه الله".
(٣) في النسخ المطبوعة: "الرسول".
(٤) أخرجه البخاري (٧٤٣٩) ومسلم (١٨٣).