للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوصاف الفِرَق الثلاثة (١): المنعَم [٩٢/أ] عليهم وهم أهل النور، والضالين وهم أصحاب السَّراب، والمغضوب عليهم وهم أهل الظلمات المتراكمة. والله أعلم.

فالمثل الأول من المثلين لأصحاب العمل الباطل الذي لا ينفع، والمثل الثاني لأصحاب العلوم والنظر والأبحاث التي لا تنفع. فأولئك أصحاب العمل الباطل، وهؤلاء أصحاب العلم الذي لا ينفع والاعتقادات الباطلة، وكلاهما مضاد للهدى ودين الحق. ولهذا مثَّل حالَ الفريق الثاني في تلاطُم أمواج الشكوك والشبهات والعلوم الفاسدة في قلوبهم، بتلاطم أمواج البحر فيه، وأنها أمواج متراكمة من فوقها سحاب مظلم. وهكذا أمواج الشكوك والشُّبَه في قلوبهم المظلمة التي قد تراكمت عليها سُحُبُ الغيِّ والهوى والباطل. فليتدبَّر اللبيب أحوال الفريقين، وليطابق بينهما وبين المثلين، يعرِفْ عظمةَ القرآن وجلالتَه، وأنه تنزيل من حكيم حميد.

وأخبر سبحانه أنَّ الموجِبَ لذلك أنه لم يجعل لهم نورًا، بل تركهم على الظلمة التي خُلِقوا فيها، فلم يُخرجهم منها إلى النور؛ فإنه سبحانه وليُّ الذين آمنوا يُخْرِجهم من الظلمات إلى النور. وفي "المسند" (٢) من حديث عبد الله بن عمرو (٣) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله خلَق خَلْقَه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلَّ".


(١) كذا في النسخ موضع "الثلاث"، وهو جائز في الوصف.
(٢) (٦٦٤٤، ٦٨٥٤ م)، والترمذي (٢٦٤٢)، وقال: هذا حديث حسن.
وصححه ابن حبان (٣٨٦٦)، والحاكم (١/ ٣٠ - ٣١).
(٣) في النسخ الخطية جميعًا: "عبد الله بن عمر"، وهو خطأ.