للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلذلك أقول: جفَّ القلمُ على علم الله، فالله سبحانه خلق الخلق في ظلمة، فمن أراد هدايته جعل له نورًا وجوديًّا يُحيي به قلبه وروحه، كما يحيي بدنه [٩٢/ب] بالروح التي ينفخها فيه. فهما حياتان: حياة البدن بالروح، وحياة الروح والقلب بالنور. ولهذا سمَّى سبحانه الوحي "روحًا" لتوقُّف الحياة الحقيقية عليه، كما قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: ٢]، وقال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر: ١٥]، وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٥٢]. فجعل وحيه روحًا ونورًا، فمن لم يُحْيِه بهذا الروح فهو ميِّت، ومن لم يجعل له نورًا منه فهو في الظلمات، ما له من نور.

فصل

ومنها: قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، فشبَّه أكثرَ الناس بالأنعام، والجامعُ بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له. وجعل الأكثرين أضلَّ سبيلًا من الأنعام، لأن البهيمة يهديها سائقها، فتهتدي وتتبع الطريق، فلا تحيد عنها يمينًا ولا شمالًا. والأكثرون يدعوهم الرسل، ويهدونهم السبيلَ، فلا يستجيبون، ولا يهتدون، ولا يفرِّقون بين ما يضرُّهم وبين ما ينفعهم. والأنعام تفرِّق بين ما يضرُّها من النبات والطريق فتجتنبه، وما ينفعها فتؤثره. والله تعالى لم يخلق للأنعام قلوبًا تعقل بها، ولا ألسنةً تنطق بها؛ وأعطى ذلك لهؤلاء، ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار، فهم أضلُّ من البهائم. فإن من لا