للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمثل الأول ما ضربه الله سبحانه لنفسه وللأوثان. فالله سبحانه هو المالك لكلِّ شيء، يُنفِق كيف يشاء على عبيده سرًّا وجهرًا وليلًا ونهارًا، يمينه ملأى لا يغيضها نفقةٌ، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ (١). والأوثان مملوكة عاجزة، لا تقدر على شيء. فكيف تجعلونها شركاء لي، وتعبدونها من دوني، مع هذا التفاوت العظيم والفرق المبين؟ هذا قول مجاهد (٢) وغيره.

وقال ابن عباس: هو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، ومثَّل المؤمنَ في الخير الذي عنده بمن رزَقه منه رزقًا (٣) حسنًا، فهو ينفق منه على نفسه وعلى غيره سرًّا وجهرًا. والكافر بمنزلة عبد مملوك عاجز لا يقدر على شيء، لأنه لا خير عنده. فهل يستوي الرجلان [٩٤/أ] عند أحد من العقلاء؟ (٤).

والقول الأول أشبه بالمراد، فإنه أظهر في بطلان الشرك، وأوضح عند المخاطب، وأعظم في إقامة الحجة، وأقرب نسبًا بقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٣ - ٧٤].

ثم قال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ} (٥) [النحل: ٧٥] ومن لوازم هذا المثل وأحكامه أن يكون المؤمن الموحِّد كمن رزقه منه رزقًا


(١) كما في حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري (٤٦٨٤) ومسلم (٩٩٣).
(٢) رواه ابن جرير في "جامع البيان" (١٤/ ٣١١) من طريقين عن مجاهد.
(٣) ع: "عنده ثم رزقًا"، سقط وتصحيف.
(٤) رواه ابن جرير في "جامع البيان" (١٤/ ٣٠٨) بنحوه مختصرًا.
(٥) كذا ورد هذا الجزء من الآية المذكورة في النسخ. وفي النسخ المطبوعة وردت تكملته: "على شيء" أيضًا.