للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حسنًا، والكافر المشرك (١) كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء. فهذا مما نبَّه عليه المثلُ وأرشد إليه. فذكره ابن عباس منبِّهًا (٢) على إرادته لا أن الآية اختصَّت به، فتأمَّلْه؛ فإنك تجده كثيرًا في كلام ابن عباس وغيره من السلف في فهم القرآن، فيظنّ الظانُّ أن ذلك هو معنى الآية التي لا معنى لها غيره، فيحكيه قولَه.

فصل

وأما المثل الثاني، فهو مثل ضربه الله لنفسه ولما يُعبد من دونه أيضًا. فالصنم الذي يُعبد من دونه بمنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق، بل هو أبكم القلب واللسان، قد عدِمَ النطقَ القلبي واللساني، ومع هذا فهو عاجز لا يقدر على شيء البتة؛ ومع هذا فأينما أرسلتَه لا يأتيك بخير، ولا يقضي لك حاجة. والله تعالى حيٌّ قادر متكلم، يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم. وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد، فإنَّ أمرَه بالعدل ــ وهو الحق ــ يتضمَّن أنه سبحانه عالم به، معلِّم له، راضٍ به، آمرٌ لعباده به، محِبٌّ لأهله، لا يأمر بسواه. بل تنزَّه [٩٤/ب] عن ضدِّه الذي هو الجور والظلم والسفه والباطل. بل أمرُه وشرعُه عدلٌ كلُّه، وأهلُ العدل هم أولياؤه وأحباؤه، وهم المجاورون له عن يمينه على منابر من نور (٣).

وأمرُه بالعدل يتناول الأمرَ الشرعي الديني والأمرَ القدري الكوني، وكلاهما عدل لا جور فيه بوجهٍ ما، كما في الحديث الصحيح: "اللهم إني


(١) ت: "والمشرك الكافر".
(٢) زاد في المطبوع بعده: "به".
(٣) كما في حديث عبد الله بن عمرو في "صحيح مسلم" (١٨٢٧).