للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحت "المستنفِرة" معنى أبلغ من "النافرة"، فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضُها بعضًا، وحضَّه على النفور. فإن في الاستفعال من الطلب قدرًا زائدًا على الفعل المجرَّد، فكأنها تواصت بالنفور، وتواطأت عليه. ومن قرأها بفتح الفاء (١)، فالمعنى أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته.

فصل

ومنها: قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: ٥].

فقاس من حمَّله سبحانه كتابَه ليؤمن به، ويتدبَّره، ويعملَ به ويدعو إليه؛ ثم خالف ذلك، ولم يحمله إلا على ظهر قلب، فقراءتُه بغير تدبُّر ولا تفهُّمٍ ولا اتباعٍ له وتحكيمٍ (٢) له وعملٍ بموجبه= كحمارٍ، على ظهره زاملةُ أسفار لا يدري ما فيها، وحظُّه منها حملُها على ظهره ليس إلا. فحظُّه من كتاب الله كحظِّ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره (٣).

فهذا المثل وإن كان قد ضُرِب لليهود، فهو متناوِلٌ من حيث المعنى لمن حُمِّل القرآنَ، فترك العملَ به، ولم يؤدِّ حقَّه، ولم يَرْعَه حقَّ رعايته.


(١) هي قراءة نافع وابن عامر من السبعة. انظر: "الإقناع" لابن الباذش (٢/ ٧٩٧).
(٢) في النسخ المطبوعة: "ولا تحكيم".
(٣) وانظر: "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص ٤٩).