للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ومنها: قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٢٩].

هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحِّد. فالمشرك بمنزلة عبدٍ يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحُّون (١)، والرجل الشَّكِس: الضيِّق الخُلُق (٢). فالمشرك لما كان يعبد آلهةً شتَّى شُبِّه بعبدٍ يملكه جماعة متنافسون (٣) في خدمته، لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين. والموحِّد لما كان يعبد الله وحده فمثلُه كمثل عبدٍ لرجل واحد، قد سلِمَ له، وعلِم مقاصدَه، وعرفَ الطريقَ إلى رضاه، فهو في راحةٍ من تشاحُن (٤) الخلطاء فيه. بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه، مع رأفة مالكه به، ورحمته له، وشفقته عليه، وإحسانه إليه، وتولِّيه لمصالحه. فهل يستوي هذان العبدان؟

وهذا من أبلغ الأمثال، فإن الخالص لمالك واحد يستحقُّ من معونته وإحسانه والتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما لا يستحقُّ صاحبُ الشركاء


(١) ع، ف: "متشاحنون"، وكذا في المطبوع. والصواب ما أثبت من غيرهما، وكذا في الطبعات القديمة. في "زاد المسير" (٤/ ١٧) ــ وهو مصدر المصنف ــ عن ابن قتيبة، قال في تفسير "متشاكسون": "أي مختلفون، يتنازعون ويتشاحُّون فيه". انظر: "غريب القرآن" له (ص ٣٨٣).
(٢) نقله في "زاد المسير" عن اليزيدي. وانظر "غريب القرآن" له (ص ٣٢٦).
(٣) ع: "متشاكسون".
(٤) كذا في النسخ الخطية والمطبوعة، ولعله مصحف عن "تشاكس" كما في "زاد المسير"، فالمصنف صادر عنه، ورسم الكلمة يحتمله. ويجوز: "تشاحّ".