للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سكت عنه أو أوجبه قياسًا على ما تكلَّم بتحريمه أو إيجابه تقدُّمٌ بين يديه، فإنه إذا قال: "حرَّمتُ عليكم الربا في البُرِّ"، فقلنا: ونحن نقيس على قولك البَلُّوط (١)، فهذا محض التقدم.

قالوا: وقد حرَّم سبحانه أن نقول عليه ما لا نعلم، وإذا (٢) فعلنا ذلك فقد واقعنا هذا (٣) المحرَّم يقينًا، فإنا غير عالمين بأنه أراد من تحريم الربا في الذهب والفضة تحريمَه في القَديد من اللحوم. وهذا قفوٌ منَّا ما ليس لنا به علم، وتعدٍّ لما حَدَّ لنا، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١]، والواجب أن نقف عند حدوده، ولا نتجاوزها ولا نقصِّر بها.

ولا يقال: فإبطالُ القياس وتحريمُه والنهيُ عنه تقدُّمٌ بين يدي الله ورسوله، وتحريمُ ما لم ينصَّ على تحريمه، وقفوٌ منكم ما ليس لكم به علم. قالوا: لأنا نقول: الله سبحانه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، وأنزل علينا [١٣٧/أ] كتابه، وأرسل إلينا رسوله يعلِّمنا الكتاب والحكمة. فما علَّمَناه وبيَّنه لنا فهو من الدين، وما لم يعلِّمناه ولا بيَّن لنا أنه من الدين فليس من الدين ضرورةً. وكلُّ ما ليس من الدين فهو باطل، فليس بعد الحق إلا الضلال.

وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]، فالذي أكمله الله سبحانه وبيَّنه هو ديننا، لا دين لنا سواه، فأين فيما أكمله لنا: "قِيسُوا ما


(١) في طرة ح نقل بعضهم تفسير البلوط من "القاموس المحيط" بأنه "شجر كانوا يغتذون بثمره قديمًا".
(٢) في النسخ المطبوعة: "فإذا".
(٣) "هذا" ساقط من ت، ف.