للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يكون القياسان معًا من عند الله، وليس أحدهما أولى من الآخر، فليسا من عنده، وهذا وحده كافٍ في إبطال القياس.

وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤]، وقال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]. فكلُّ ما بيَّنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فعن ربِّه سبحانه بيَّنه بإذنه وأمره (١). وقد علمنا يقينًا وقوعَ كلِّ اسمٍ في اللغة على مسمَّاه فيها، وأنَّ اسم البُرِّ لا يتناول الخَردل، واسم التمر لا يتناول البَلُّوط، واسم الذهب والفضة لا يتناول القَزْدير (٢)؛ وأنَّ تقديرَ نصاب السرقة لا يدخل فيه تقديرُ المَهْر، [١٤٧/ب] وأنَّ تحريمَ أكل الميتة لا يدل على أن المؤمن الطيِّب عند الله حيًّا وميِّتًا إذا مات صار نجسًا خبيثًا؛ وأنَّ هذا عن البيان الذي ولَّاه الله رسوله وبعَثَه به أبعدُ شيءٍ، وأشدُّه منافاةً له، فليس هو مما بُعِث به الرسولُ قطعًا، فليس إذن من الدين.

وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما بعَث الله من نبيٍّ إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلَمه لهم، وينهاهم عن شرِّ ما يعلَمه لهم" (٣)، ولو كان الرأي والقياس خيرًا لهم لدلَّهم عليه، وأرشدهم إليه، ولقال لهم: إذا أوجبتُ عليكم شيئًا أو حرَّمتُه فقيسوا عليه ما كان بينه وبينه وصف جامع أو ما أشبهه، أو قال ما يدل على ذلك أو يستلزمه، ولما حذَّرهم من ذلك أشدَّ الحذر كما ستقف عليه إن شاء الله.

وقد أحكم اللسان كلَّ اسمٍ على مسمَّاه، لا على غيره. وإنما بعث الله


(١) ع: "بأمره وإذنه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) ما عدا س، ت: "القديد"، تحريف.
(٣) أخرجه مسلم (١٨٤٤) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.