للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصية من عند الله على لسان رسوله فهو عين الباطل. وقد أمرنا الله بردِّ ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله، فلم يُبِحْ لنا قطُّ أن نردَّ ذلك إلى رأي ولا قياس ولا تقليد إمام، ولا منام ولا كشوف ولا إلهام ولا حديث قلب، ولا استحسان ولا معقول، ولا شريعة الديوان ولا سياسة الملوك، ولا عوائد الناس التي ليس على شرائع المسلمين أضرُّ منها. فكلُّ هذه طواغيت، مَن يتحاكَمْ (١) إليها أو دعا مُنازِعَه إلى التحاكم إليها فقد حاكم إلى الطاغوت.

وقال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [١٤٧/أ] إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٤]. قالوا (٢): ومن تأمَّلَ هذه الآية حقَّ التأمُّل تبيَّن له أنها نصٌّ على إبطال القياس وتحريمه، لأن القياس كلَّه ضربُ الأمثال للدين، وتمثيلُ ما لا نصَّ فيه بما فيه نصٌّ؛ ومن مثَّل ما لم ينصَّ الله سبحانه على تحريمه أو إيجابه بما حرَّمه أو أوجبه فقد ضرب لله الأمثال. ولو علِم سبحانه أن الذي سكت عنه مثلُ الذي نصَّ عليه لأعلَمَنا به، ولما أغفله سبحانه، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]، وليبيِّن لنا ما نتَّقي كما أخبر عن نفسه بذلك إذ يقول سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥] ولَمَا وَكَله إلى آرائنا ومقاييسنا التي ينقض بعضُها بعضًا، فهذا يقيس ما يذهب إليه على ما يزعم أنه نظيره، فيجيء منازِعُه فيقيس ضدَّ قياسه من كلِّ وجه، ويبدي من الوصف الجامع مثلَ ما أبداه منازعُه (٣) أو أظهر منه، ومحال


(١) في النسخ المطبوعة: "تحاكم".
(٢) قارِن بكتاب "الإحكام" (٨/ ٢٠).
(٣) ع: "منازعوه"، وكذا في النسخ المطبوعة.