للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا حكم لا يختصُّ بحياته فقط، ولا يخُصُّ الصحابةَ دون من بعدهم، بل فرَضَ علينا نحن امتثالَ أمره بحسب الاستطاعة، واجتنابَ نهيه، وتركَ البحث والتفتيش عما سكت عنه. وليس ذلك الترك جهلًا وتجهيلًا لحكمه، بل إثباتٌ لحكم العفو [١٤٦/ب] وهو الإباحة العامة ورفعُ الحرج عن فاعله. فقد استوعب الحديث أقسامَ الدين كلَّها، فإنها إما واجب، وإما حرام، وإما مباح. والمكروه والمستحب فرعان على هذه الثلاثة غيرُ خارجين عن المباح.

وقد قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٨ - ١٩]، فوكل بيانه إليه سبحانه، لا إلى القيَّاسين (١) والآرائيين (٢).

وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩]، فقسم الحكم إلى قسمين: قسم أذن فيه وهو الحق، وقسم افتُرِي عليه وهو ما لم يأذن فيه. فأين أذِن (٣) لنا أن نقيس البَلُّوطَ على التَّمر في جرَيان الربا فيه، وأن نقيس القَزْديرَ (٤) على الذهب والفضة، والخَردلَ على البُرِّ؟ فإن كان الله ورسوله وصَّانا بهذا فسمعًا وطاعةً لله ورسوله، وإلا فإنَّا قائلون لمنازعينا: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} [الأنعام: ١٤٤]، فما لم تأتنا به


(١) في النسخ المطبوعة: "القياسيين"، والصواب ما أثبت من النسخ الخطية.
(٢) ع: "القياس والآراء"، وذكر ناسخها في طرتها أن في الأصل: "القياسين".
(٣) ف: "أذن الله"، وزاد بعضهم لفظ الجلالة في طرّة ح أيضًا.
(٤) ع: "القديد"، تصحيف. والقزدير هو القصدير. وهو معرَّب من اليونَانية. انظر: "تكملة دوزي" (٨/ ٢٩٠). و"القول الأصيل" للدكتور ف. عبد الرحيم (ص ١٨٢).