للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يوجب نسخَ جميعِ ما تناوله، كالعامِّ إذا خُصَّ بعضُ أفراده لم يوجب ذلك تخصيصَ غيره. فإذا كان حكمُ الأصل قد دلَّ على شيئين، فارتفع أحدهما، فما الموجِب لارتفاع الثاني؟ وإن قلتم: «يثبت بالقياس ويرتفع بالقياس» قيل: إنما أثبتُّموه لوجود العلة الجامعة عندكم، والعلة لم تَزُل بالنسخ، وهي سبب ثبوته، وما دام السبب قائمًا فالمسبَّب كذلك. ولو زالت العلة بالنسخ لأمكن تصحيح قولكم.

فإن قلتم: نسخُ حكمِ الأصل يقتضي نسخَ كونِ العلة علةً.

قيل: هذه دعوى لا دليل عليها، فإن النصَّ اقتضى ثبوتَ حكم الأصل، وكونُ وصفِ كذا علةً مقتضٍ للتعدية (١) على قولكم، فهما حكمان متغايران؛ فزوال أحدهما لا يستلزم زوال الآخر.

قالوا: ولو كان القياس من الدين لقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأمته: إذا أمرتُكم بأمر أو نهيتُكم عن شيء فقيسوا عليه ما كان مثلَه أو شِبْهَه؛ ولكان هذا أكثرَ شيء في كلامه، وطرقُ الأدلة عليه متنوعةً، لشدة الحاجة إليه، ولا سيما عند غلاة القيّاسين (٢) الذين يقولون: إن النصوص لا تفي بعُشْر معشار الحوادث.

وعلى قول هذا الغالي الجافي [١٥٩/أ] عن النصوص، فالحاجةُ إلى القياس أعظمُ من الحاجة إلى النصوص، فهلّا جاءت الوصية باتباعه ومراعاته! والوصيةُ بحفظ (٣) حدود ما أنزل الله على رسوله وأن لا


(١) س: «تقتضي للتعدية» وفي ع: «مقتضي التعدية». وأثبت في المطبوع: «تقتضي التعدية».
(٢) في النسخ المطبوعة: «القياسيين»، كالعادة.
(٣) س: «تحفظ».