للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثاله: أن الشارع لمّا نصَّ على ربا الفضل في الأعيان المذكورة في الحديث، فقال قائل: إن المعنى الذي حرم التفاضل لأجله هو الكيل في المكيلات، والوزن في الموزونات= قال له منازعه: لا، بل هو (١) كونها مطعومة. فقال آخر: لا، بل هو كونها مُقتاتةً مدَّخرةً (٢). فقال آخر: لا، بل كونها تجري فيها الزكاة. فقال آخر: لا بل كونها جنسًا واحدًا. وكلُّ فريق يزعم أن الصواب ما ادّعاه دون منازعه، ويقدح فيما ادَّعاه الآخر. ولا يتهيأ له قدحٌ في قول منازعه، إلا ويتهيأ لمنازعه مثلُه أو أكثرُ منه أو دونه. فلو ظنَّ آخرون فقالوا: العلة كونه مما تُنبته الأرض، واحتجَّ بأن الله سبحانه امتنَّ على عباده بما تُنبته لهم الأرض، وقال (٣): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧]؛ وقال: إن من تمام النعمة فيه أن لا يباع بعضه ببعض متفاضلًا= لكان قوله واحتجاجه من جنس قول الآخرين [١٥٨/ب] واحتجاجهم. وما هذا سبيله، كيف (٤) يكون من الدين بسبيل؟

قالوا: وأيضًا فإذا كان النصُّ في الأصل قد دلَّ على شيئين: ثبوت الحكم فيه نطقًا، وتعديته إلى ما في معناه بالعلة؛ فإذا نُسِخ الحكم في الأصل هل يبقى الحكم في الفرع أو يزول؟ فإن قلتم: «يبقى» فهو محال، وإن قلتم: «يزول» تناقضتم؛ إذ من أصلكم أنَّ نسخَ بعضِ ما تناوله (٥) النص


(١) «هو» ساقط من النسخ المطبوعة.
(٢) في النسخ المطبوعة: «ومدخرة» بزيادة الواو.
(٣) ت: «فقال».
(٤) في النسخ المطبوعة: «فكيف».
(٥) في النسخ المطبوعة: «يتناوله» هنا وفيما بعد.