للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإسلام والتقوى ونظائرها. فحكمُها في تناولها لمسمَّياتها الشرعية كحكم النوع الأول في تناوله لمسماه اللغوي.

ونوع له حدٌّ في العُرف، لم يحُدَّه الله ورسوله بحدٍّ غير المتعارف، ولا حدَّ له في اللغة، كالسفر، والمرض المبيح للترخُّص، والسَّفَه والجنون الموجِب للحَجْر، والشقاق الموجب لبعث الحكمين، والنشوز المسوِّغ لهجر الزوجة [١٥٩/ب] وضربها، والتراضي المسوِّغ لحِلِّ التجارة، والضِّرار المحرَّم بين المسلمين، وأمثال ذلك. وهذا النوع في تناوله لمسمَّاه العرفي كالنوعين الآخرين في تناولهما لمسمَّاهما.

ومعرفة حدود هذه الأسماء ومراعاتها مغنٍ عن القياس غيرُ مُحْوِج إليه. وإنما يحتاج إلى القياس من قصَّر في معرفة (١) هذه الحدود، ولم يُحِطْ بها علمًا، ولم يُعطها حقَّها من الدلالة.

مثاله: تقصير طائفة من الفقهاء في معرفة حدِّ الخمر حيث خصُّوه بنوع خاصٍّ من المسكرات، فلما احتاجوا إلى تقرير تحريم كلِّ مسكر سلكوا طريق القياس، وقاسوا ما عدا ذلك النوع في التحريم عليه. فنازعهم الآخرون في هذا القياس، وقالوا: لا يجري في الأسباب، وطال النزاع بينهم، وكثر السؤال والجواب. وكلُّ هذا من تقصيرهم في معرفة حدِّ الخمر، فإن صاحب الشرع قد حدَّه بحدٍّ يتناول كلَّ فرد من أفراد المسكر فقال: «كلُّ مسكِر خمر» (٢)، فأغنانا هذا الحدُّ عن باب طويل عريض كثير التعب من القياس، وأثبتنا التحريم بنصِّه لا بالرأي والقياس.


(١) «في معرفة» ساقط من ع.
(٢) سبق تخريجه.