للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك أيضًا: تقصير طائفة في لفظ «الميسر»، حيث خصُّوه بنوع من أنواعه، ثم جاؤوا إلى الشِّطْرَنج مثلًا، فراموا تحريمه قياسًا عليه. فنازعهم آخرون في هذا القياس وصحته، وطال النزاع. ولو أعطوا لفظ الميسر حقَّه وعرفوا حدَّه لَعلِموا أن دخول الشطرنج فيه أولى من دخول غيره، كما صرَّح به من صرَّح من الصحابة والتابعين، وقالوا: الشطرنج من الميسر (١).

ومن ذلك: تقصير طائفة في لفظ «السارق»، حيث أخرجوا منه نبَّاشَ القبور، ثم راموا قياسه [١٦٠/أ] في القطع على السارق، فقال لهم منازعوهم: الحدود والأسماء لا تثبت قياسًا، فأطالوا وأعرضوا في الردِّ عليهم. ولو أعطوا لفظ السارق حقَّه (٢) لرأوا أنه لا فرق في حدِّه ومسمَّاه بين سارق الأثمان وسارق الأكفان، وأن إثبات الأحكام في هذه الصور بالنصوص لا بمجرد القياس.

ونحن نقول قولًا ندين الله به، ونحمد الله على توفيقنا له، ونسأله الثبات عليه: إن الشريعة لم تُحْوِجنا إلى قياس قطُّ، وإنَّ فيها غُنيةً وكفايةً عن كلِّ رأي وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها.

وقد قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩].

وقال علي: «إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه» (٣).


(١) انظر ما سلف من أقوالهم.
(٢) ع: «حدَّه»، وكذا في الطبعات القديمة.
(٣) سبق تخريجه.