للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القربات التي هي أحبُّ شيء إلى الله. فخالفتم صريح القياس والمنقول عن الصحابة والتابعين بأصحِّ إسناد يكون. ثم ناقضتم القياس من وجه آخر فقلتم: إذا قال «الطلاق يلزمني لأفعلنَّ كذا إن شاء الله»، ثم لم يفعله= لم يحنَث، لأنه أخرجه مخرج اليمين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن حلَف، فقال: إن شاء الله= فإن شاء فعل، وإن شاء ترك» (١).

فجعلتموه يمينًا، ثم قلتم: يلزمه وقوع الطلاق، لأنه تعليق، فليس بيمين. ثم ناقضتم من وجه آخر، فقلتم: لو قال: «الطلاق يلزمني لا أجامعها سنة»، فهو مُؤلٍ، فيدخل في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦]. والأليَّة [١٦٧/أ] والإيلاء والائتلاء هو الحلف بعينه، كما في الحديث: «تألَّى على الله أن لا يفعل خيرًا» (٢)، وقال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي


(١) رواه أحمد (٤٥١٠، ٥٣٦٢، ٦٠٨٧، ٦١٠٣)، وأبو داود (٣٢٦٢)، وابن ماجه (٢١٠٥)، والنسائي (٣٨٣٠) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا. وصحّحه ابن حبان (٤٠٣٦).
أمّا البخاري، فأشار إلى تصويب وقفه، نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» (٤٥٥). ويَحْسُنُ تدبُّر ما في «الجامع للترمذي» (١٥٣١)، و «العلل» للدارقطني (١٣/ ١٠٤ - ١٠٥)، و «السنن الكبير» للبيهقي (١٠/ ٤٦)، و «فتح الباري» لابن حجر (١١/ ٦٠٥ - ٦٠٦). وللحديث شاهدٌ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
مرفوعا، رواه الترمذي (١٥٣٢)، وابن ماجه (٢١٠٤)، والنسائي (٣٨٥٥)، وصحّحه ابن حبان (٤٠٣٥)!

والراجح أنه مُعَلٌّ، أعلّه ابن معين، والبخاري، وأقرّه الترمذي في «الجامع»، وفي «العلل الكبير» (٤٥٦). ويُوازَنُ ما في «المسند» للإمام أحمد (٨٠٨٨) بما في «التاريخ» لابن أبي خيثمة (١٢٢٣ - السِّفْر الثالث).
(٢) يشير إلى حديث عائشة الذي أخرجه البخاري (٢٧٠٥) ومسلم (١٥٥٦) ولفظه: «أين المتألِّي على الله، لا يفعل المعروف».