للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل التزكية، فتركتم محض القياس.

وقستم دعوى المرأتين الولدَ وإلحاقَه بهما وجعلَهما أمَّين له، على دعوى الرجلين. وهذا من أفسد القياس، فإنَّ خروج الولد من أمَّين معلوم الاستحالة، وتخليقَه من ماء الرجلين ممكن، بل واقع، كما شهد به القائف عند عمر، وصدَّقه (١).

وقلتم: لو قال لأجنبيٍّ: «طلِّقْ امرأتي» فله أن يطلِّق في المجلس (٢) وبعده. ولو قال لامرأته: «طلِّقي نفسَك» فلها أن تطلِّق [١٦٨/ب] نفسَها ما دامت في المجلس. ثم فرَّقتم بينهما بأن «طلِّقي نفسَك» تمليك لا توكيل، لاستحالة أن يكون وكيلًا في التصرُّف لنفسه فيقيَّدُ بالمجلس. وأما بالنسبة إلى الأجنبي، فتوكيلٌ، فلا يتقيَّد. وهذا الفرق دعوى مجرَّدة. لم تذكروا (٣) حجةً على أن قوله: «طلِّقي نفسك» تمليك. وقولُكم: «الوكيل لا يتصرَّف لنفسه» جوابه: أنه (٤) يتصرَّف لنفسه ولموكِّله، ولهذا كان الشريك وكيلًا بعد قبض المال والتصرُّف، وإن كان متصرِّفًا لنفسه، فإنّ تصرُّفَه لا يختصُّ به.

ثم ناقضتم هذا الفرق، فقلتم: لو قال: «أُبرِئ نفسك من الدَّين الذي عليك» فإنه لا يتقيَّد بالمجلس، ويكون توكيلًا؛ مع أنه تصرَّف مع نفسه.


(١) أخرجه سعيد بن منصور عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، عن عمر. وهو منقطع فإن سليمان لم يدرك عمر. ورواه الأثرم بإسناده عن سعيد بن المسيب. انظر: «زاد المعاد» (٥/ ٧٥ - ٧٦).
(٢) ما عدا ع: «قبل المجلس»، وفي حاشية ع أن في أصلها أيضًا: «قبل المجلس».
(٣) في النسخ المطبوعة: «ولم تذكروا»، ولم ترد الواو في النسخ الخطية.
(٤) في النسخ المطبوعة: «له أن». وكذا في ع ولكن وضع فيها فوق «له» علامة «ظ».