للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وترتيب أركان الصلاة، فأوجبتم الثاني دون الأول. ولا فرق بينهما، لا في المعنى ولا في النقل. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هو المبين عن الله أمرَه ونهيَه، لم يتوضأ (١) قطُّ إلا مرتَّبًا، ولا مرةً واحدةً في عمره (٢)، كما لم يصلِّ إلا مرتَّبًا. ومعلوم أن العبادة المنكوسة ليست كالمستقيمة، ويكفي هذا الوضوءَ اسمُه وهو أنه وضوء منكَّس (٣)، فكيف يكون عبادة؟

وجمعتم [١٧٥/أ] بين ما فرَّق الله بينه من إزالة النجاسة ورفع الحدث، فسوَّيتم بينهما في صحة كلٍّ منهما بغير نية. وفرَّقتم بين ما جمع الله بينهما من الوضوء والتيمم، فاشترطتم النية لأحدهما دون الآخر. وتفريقكم بأن الماء يطهِّر بطبعه، فاستغنى عن النية؛ بخلاف التراب فإنه لا يصير مطهِّرًا إلا بالنية= فرقٌ صحيح بالنسبة إلى إزالة النجاسة فإنه مزيل لها بطبعه. وأما رفعُ الحدث فإنه ليس رافعًا له بطبعه، إذ الحدث ليس جسمًا محسوسًا يرفعه الماء بطبعه بخلاف النجاسة، وإنما يرفعه بالنية، فإذا لم تقارنه النية بقي على حاله، فهذا هو القياس المحض.


(١) في النسخ المطبوعة: «ولم يتوضأ» مع واو العطف.
(٢) يُوازَنُ ما ذكره المصنِّف هنا بما رواه أحمد (١٧١٨٨)، وعنه أبو داود (١٢١) من حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه -. ويُنظر: «بيان الوهم والإيهام» لابن القطان (٢/ ١٩٥، ٤/ ١٠٩ - ١١٠، ٥/ ٦٦٣)، و «الإمام» لابن دقيق العيد (١/ ٤٣٤ - ٤٣٥، ٥٧١ - ٥٧٣)، و «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (١/ ٢١٨ - ٢٢٣)، و «البدر المنير» لابن النحوي (١/ ٢٠٧ - ٢١٠)، و «صحيح سنن أبي داود» للألباني (١/ ٢٠٦ - ٢٠٧).
(٣) ع: «منكوس».